"إذا أحب بيل جيتس أن يكون جيداً في مجال معين فلا يرضى عن الأفضل بديلاً" هكذا يصف الدكتور/ كفاح فيَّاض السمة الرئيسية التي جعلت بيل جيتس يشيِّد صرحاً عملاقاً في عالم الحاسب الآلي ألا وهو شركة مايكروسوفت، والتي تعد واحدة من أشهر وأنجح الشركات العالمية في إنتاج برامج الكمبيوتر إن لم تكن أنجحها على الإطلاق.
وكالعديد من الشركات تأسست شركة مايكروسوفت من فكرة، لكن هذه الفكرة كانت بمثابة حلم أو رؤية بعيدة المدى، كان الكمبيوتر غير معروف في أواسط السبعينات، لكن كان لدى بيل جيتس وبول آلن قناعة بأن ذلك سيتغير إلى الأبد بعد طرح برامج كمبيوتر فعَّالة تُغيِّر طريقة عمل العالم أجمع، فكيف تم بناء هذا الصرح العملاق؟ وما هو العوائق التي اجتازتها تلك الشركة حتى تصل إلى ما وصلت إليه؟
في ثنايا السطور القادمة سنتعرف على سر نجاح تلك الشركة، ومواطن تميُّزها:
من هو بيل جيتس؟
ولد بيل جيتس في (28/10/1955م) في سياتل في الولايات المتحدة من عائلة غنيِّة، لكنه رفض منذ البداية أن يبني نجاحه على أموال أسرته، كانت أمه (ماري) تعمل مُعَلمة، وكانت سبباً رئيسيّاً في تنظيم حياته، أما أبوه وكان يدعى (بيل) أيضاً فكان محامياً ناجحاً، لكنه كان محافظاً في تعامله مع بيل وأختيه كرستين وليبي.
كان بيل جيتس منذ صغره غير مرتب، ولكن ضياع الوقت في أيام الدراسة أو غيرها من أيام العطلات كان خطاً أحمراً بالنسبة له، وبالتالي يمكننا القول أنه كان شخصاً عاديّاً، لكنه في بعض النواحي كان مميزاً ومختلفاً، وكان ذو ذاكرة ممتازة، وشعاره الدائم: "أستطيع أن أفعل أي شيء أضع كل تفكيري فيه".
الشرارة الأولى:
"رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة" يمكن لهذه الحكمة التي قالها (لاوتسي) أن تلخص مشوار نجاح مايكروسوفت، ففي عام (1968م) اتخذت المدرسة التي كان يدرس بها بيل جيتس قراراً غيَّر مجرى حياة ذلك الفتى الذي يبلغ من العمر (13عاماً)، فقد تمَّ جمع تبرعات من الأهالي؛ وذلك لتتمكن المدرسة من شراء جهاز كمبيوتر مع برنامج معالج البيانات.
وكان أكثر الطلاب اهتماماً ثلاثة طلاب هُم: كنت إيفانس، وبول آلن، وبيل جيتس، وكان الثلاثة يقضون معظم وقت فراغهم أمام هذه المعجزة الجديدة جهاز الكمبيوتر، حتى أنهم أصبحوا أكثر خبرة من أساتذتهم؛ مما سبب لهم مشكلات، ووصل شغفهم بهذا الجهاز إلى الحد الذي جعلهم يهملون دراستهم.
وكان أول الغيث قطرة؛ حيث بدأ بيل جيتس في سن الرابعة عشرة من عمره بكتابة برامج قصيرة، وكان أول برامجه ألعاباً محدودة، وكان يكتبها بلغة (BASIC)، وكانت قدرته على كتابة البرامج نابعة من حبه للرياضيات، وعلم المنطق.
نقطة تحوُّل:
في عام (1969م) - أي وعمره (14عاماً) - أنشأ بيل جيتس وبول آلن شركة باسم (مجموعة مبرمجي ليك سايد للكمبيوتر) وكان ذلك نقطة تحوُّل تعرَّف خلالها الاثنان على الكثير من الأمور المتعلقة بعالم الحاسب الآلي.
وفي عام (1971م) حصلت شركة بيل جيتس ورفيقه على أول فرصة حقيقية على الرغم من أنها لم تكسبهم مالاً كثيراً، واستطاع بيل جيتس أن يقوم بالعمل بشكل جيِّد، وإنجازه في الوقت المحدد، بعدها ابتكر بيل جيتس وبول آلن نظاماً لتخفيف زحمة السير في المدن كل ذلك وكان بيل جيتس ما زال في المدرسة، ولكن كان لديه شغف لعقد المزيد من الصفقات.
ثم قام بيل جيتس مع صديقه الثاني (كنت إيفانس) بتأسيس شركة أخرى عُرفت باسم (LOIGIC SIMULATION COMPANY)، ثم قاما بدعوة زملائهما لمشاركتهم في العمل بالشركة؛ مما أدى إلى توسُّعها.
أول ثمرات النجاح:
وفي عام (1972م) كلفت المدرسة رسميّاً كلّاً من بيل جيتس وكنت إيفانس بكتابة برنامج ينظم الحصص الدراسية في المدرسة، وبعدها بأسبوع تُوفِيَّ (كنت إيفانس) في حادث عندما كان يمارس هوايته في تسلق الجبال؛ مما أصاب بيل جيتس بصدمة، لكنه سرعان ما تمكن من تجاوز الأزمة ليتابع المشوار مع (بول آلن).
وبعد الانتهاء من الدراسة الثانوية كان متوقعاً من بيل جيتس أن يدخل إلى أفضل جامعة في الولايات المتحدة وهي جامعة هارفارد الشهيرة وهذا ما حصل فعلاً، لكنه وجد أنه ليس الأفضل في هارفارد في مادة الرياضيات، وكانت قناعته: "إذا لم أكن الأفضل في الرياضيات، فلماذا أتابع في هذا المجال"؟
ولذا؛ فقد انغمس بيل في عالم الكمبيوتر أكثر فأكثر، وكان يعمل لساعات طويلة، ويبدأ نهاره الساعة (4 فجراً)، وكان له زميل اسمه (ستيف بالمر) أعجب بالعمل الذي يقوم به (جيتس)، وأصبح يقضي معه الساعات الطويلة على جهاز الكمبيوتر.
المولود الجديد:
وفي نهاية عام (1974م) عندما كان (بول آلن) في طريقه لزيارة (بيل جيتس)، رأى خلالها نسخة من مجلة (Popular Electronics)، وكان على الغلاف صورة لكمبيوتر شخصيٍّ اسمه (ALTAIR 8800) ومن حينها أدرك جيتس أن عصر الكمبيوتر الشخصي سيبدأ، وسيكون متوافراً لجميع البشر، فبدأ بالتفكير في كتابة برامج لكل الكمبيوتر.
اتصل الاثنان بشركة (Mist) وهي الشركة المصممة لهذا الكمبيوتر الشخصي، وعرضا خدماتهما على تلك الشركة، والتي طلبت منهما برنامجاً سهلاً للكمبيوتر بلغة الـ(Basic)، فأنكبَّ الاثنان على تصميم ذلك البرنامج في مدة (8 أسابيع) فقط، وكان ذلك البرنامج بمثابة السبب الرئيسي لولادة شركة (Microsoft).
وفي عام (1975م) ترك (آلن) العمل في شركة (Mist) ليتفرغ للمولود الجديد (Microsoft) والذي كان عبارة عن شقة صغيرة من أربع حجرات بالطابق الثامن من أحد المباني بمدينة (ألبو كيرك) في ولاية نيو مكسيكو.
طموح مختلف:
في عام (1977م) قرر بيل جيتس أن يترك الجامعة نهائيّاً، وهذا القرار لم يعجب أهله بالطبع، حتى الجامعة لم تصدق أن بيل قد اتخذ هذا القرار، لكنه كان قد عزم على قراره؛ لأنه بدأ يمل من الجامعة، وكان يريد أن يبقى قريباً من شركة مايكروسوفت.
وكان أكثر ما يريده بيل جيتس هو أن يفسخ عقده مع شركة (Mist) حتى وصل الأمر إلى المحكمة، وكسب بيل جيتس قضيته، وصار بإمكانها بيع برامج (BASIC) بحرية مطلقة، بعدها بدأت الأموال تتدفق كالماء، وباعت مايكروسوفت برنامج (BASIC) إلى أكبر شركات الكمبيوتر في ذلك الوقت كشركة أبل (Apple)، راديو شاك (Radioshack)، وجنرال إلكتريك، وانصب (بول آلن) وفريق عمله على تطوير البرامج، أما جيتس فكان همُّه توقيع العقود، وبالفعل فقد نجح في عام (1977م) في توقيع عقد مع إحدى الشركات اليابانية؛ مما أسهم في ضخ ملايين الدولارات لميزانية الشركة الوليدة.
شعار النجاح:
لقد كان شعار مايكروسوفت "اعمل بكد وجهد، طوِّر منتجاتك، واربح"، وبالفعل فقد كان بل جيتس قدوة لكل الموظفين في العمل الجاد والمتواصل، كان يحب ما تبيعه الشركة، وكان يعتقد أن أي صفقة أفضل من لا صفقة، ومن شدة انهماكه في العمل كان يأكل البيتزا الباردة، ويبقى طوال الليل في المكتب؛ ذلك لأنه اتخذ من قول (جاري هنريكس) شعاراً له حين قال: "الشخص الذي ينتظر حدوث أمر جيد دون أن يبذل جهداً لحدوثه سينتظر طويلاً دون جدوى".
ولكن هل تعلم كم كان عدد موظفي مايكروسوفت عندما نجحت في ضخ المليون الأول من الأرباح؟ لقد كان (13موظفاً) فقط، وحينها انتقلت الشركة إلى مقرها الحالي بمدينة سياتل، واختار جميع الموظفين أن ينتقلوا مع (بيل وآلن).
شراكة قويَّة:
وفي أواخر الثمانينات عرضت شركة (IBM) على (جيتس وآلن) العمل على إنتاج برنامج تشغيل وبرامج لها، وكان لدى (IBM) الاستعداد التام لدفع الملايين ليكون إنتاجها أفضل، وبالفعل ذهب بيل جيتس إلى شركة (سياتل لمنتجات الكمبيوتر)، وقام بشراء برنامج (QDOS-86) حيث دفعت مايكروسوفت مبلغ (25 ألف دولار) لشراء حقوق هذا البرنامج، ثم طوَّرته الشركة وصار اسمه (MS-DOS) وباعته لشركة (IBM)، وكان هذا جواز سفر مايكروسوفت إلى القمة.
وفي ذلك الوقت جمع بيل جيتس (30) من أفضل المبرمجين، وقضوا عامين، مع عمل ساعات إضافية، في محاولة للتوصل إلى نظام التشغيل ويندوز (Windows)، وكانت النتائج الأولية مخيبة للآمال، لكن الجميع أدرك قول (ألبرت هوبارد) أنه "كم مرة يرفع فيها الإنسان يديه مستسلماً في وقت كان كل المطلوب فيه بعض الجهد الزائد، وقليلاً من الصبر لتحقيق النجاح"، وبالفعل تحقق ذلك النجاح، وأبصر نظام التشغيل (ويندوز) النور في عام (1992م)، ويتم تطويره سنويّاً حتى يومنا هذا.
وفي عام (2003م) بلغت عائدات مايكروسوفت (32.19 مليار دولار) للسنة المالية التي تنتهي في شهر يونيو، وبلغ عدد موظفيها (55.000 موظف) يعملون في (85) بلداً ومنطقة من العالم، كل ذلك في وقت قياسيٍّ جعل (روبين سبكيولاند) يصف بيل جيتس بقوله: "في سن الخامسة والثلاثين كان بيل جيتس قد كوَّن ثروة تزيد عن 5 بلايين دولار"، وتقول عنه صحيفة نيويورك تايمز: "كشاب صغير، تمكن بيل جيتس من رؤية المستقبل وأصبح مليونيراً"، حيث يعمل بيل جيتس على التنافس ليس في سوق اليوم وإنما في سوق الغد، إنه يساعد في تحقيق المستقبل".
وأخيراً:
نختم بمقولة (موكول بانديا وروبي شيل): "الشيء الذي أبقى مايكروسوفت في القمة طوال هذه المدة هو قدرة بيل جيتس على فهم الظروف الجديدة للسوق، وما كانت تعنيه لمايكروسوفت".
والخلاصة التي نستفيدها -عزيزي القارئ- من تجربة شركة مايكروسوفت ومؤسسها بيل جيتس أنه ليس هناك شيء مستحيل، فالحلم بالجهد يتحول إلى النجاح، وذلك الحلم يملكه الجميع، فكما يقول بيل جيتس نفسه: "الحلم له القيمة صفر، أعني أن كل إنسان يستطيع أن يحلم".
أهم المراجع:
1. كتاب حكايات كفاح، كفاح فيَّاض.
2.نخبة القادة الإداريين، موكول بانديا وروبي شيل.
3.اضغط الزر وانطلق، روبين سبكيولاند.
4. إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، د. شيري كارتر سكوت.